
تظل وتبقى للعلاقات السودانية الإثيوبية خصوصية وقوة وشائج لا تعكرها الخلافات صغرت ام كبرت؛ وهي على كافة مستوياتها الرسمية والشعبية أقرب للمزاج التصالحي والحضور السلمي والدفع الإيجابي؛ ولا تتقيد في ذلك بتقلبات الطقس السياسي في البلدين أو عابر الازمات التي تنتهي في الغالب لحالة من الاستقرار بل والانتقال الى حال افضل؛ وتبدو هذه الحقيقة حتى الآن حاضرة في اقوال قيادات البلدين؛ كما عبر عن ذلك رئيس المجلس السيادي الانتقالي الفريق اول عبد الفتاح البرهان في خطاب الاستقلال للسودانيين؛ حيث اكد أن السودان لن يتجاوز حدوده لعدوان على اثيوبيا وانه يتمسك بالحوار والتفاوض ليأخذ كل ذي حق حقه وأن الجيش السوداني ينتشر داخل اراضيه فقط .
2
وصحيح أن القيادة الإثيوبية وتحديدا رئيس الوزراء أبي أحمد ابدت شعورا طيبا تجاه تسوية ازمة انتشار المزارعين الاثيوبيين داخل الحدود السودانية والهجمات التى وقعت على القوات السودانية التي نسبها لمن وصفهم لمليشيات لكن بالمقابل تبدو بعض الدوائر في الجسم الرسمي للدولة الإثيوبية وكأنها تقود خطا تصعيديا بلا حيثيات موضوعية ومن ذلك التصريحات الضارة جدا للناطق باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي أو المتحدثون باسم مفوضية الحدود الإثيوبية الذين ادلوا بأقوال تصعيدية اقرب للخطاب الدعائي الشعبوي منها لما يرجى من موظفين مهنيين وفنيين معنيين باسم الحدود وقد فهم من تصريحاتهم بمؤتمر صحفي _ قبل ثلاثة ايام بأديس ابابا _ انهم يرفضون المرجعيات التاريخية الحاكمة لقضية الحدود مع السودان (1092/1903) وقفزوا مباشرة لمرجعية اجتماعات جرت في عهد النميري وهيلاسلاسي في منتصف السبعينات كمرجعيات !
3
ويشيرون في ذلك الى إجتماعات 18 يوليو 1972 بين وزراء خارجية السودان وإثيوبيا، منصور خالد ومناسي هايلي، حيث اتفق على “قبول أساسي لتخطيط الرائد جوين على أساس معاهدات 1902 و1907 كخط الحدود بين إثيوبيا والسودان ودون اعتبار للمسألة المتعلقة بصحة تخطيطات جوين”. مع تفاهمات حول ابقاء الوضع الى حين تشكيل لجان مشتركة وجاءت الاشارة في ذلك اللقاء الى جبل دقلاش؛ لكن الغريب أن الجانب الاثيوبي يتخير في قضايا الحدود ما يوافق مصلحته . أو تكتيكه اللحظي ويترك بقية النص مهملا؛ فتحدث عن اجتماعات 1972 عن مقترحات ترك الاوضاع كما هي الى حين معالجة نهائية وتجاهل اقراره بالمرجعية الوثائقية المؤدية للحل النهائي وهو عين ما تكرر في اجتماعات لجنة الحدود السودانية الإثيوبية عام 2007م اقر _ وارجو أن تكون المحاضر متوفرة ومحفوظة _ بصحة مرجعية خط قوين كمرجع ملزم؛ والغريب انه وفي اجتماعات لاحقة للجان الحدود واللجان الخاصة بالاقاليم والولايات المتقابلة بين السودان وأثيوبيا فشلت الاخيرة في تقديم خرائط بخلاف مما دعا والي ولاية القضارف _ اظنه كرم الله عباس إن لم تخنِّ الذاكرة للتشدد. تحديد تبعية الأماكن التي يقوم المزارعون الإثيوبيون بالزراعة فيها، داخل حدود السودان وفقاً للقوانين السودانية أو يغادروا الأراضي السودانية واصفاً تمدد وانتشار الإثيوبيين داخل منطقة جبل دقلاش بأنه غير شرعي ومرفوض من قبل الولاية التي لم يسبق أن انتشر فيها المزارعون الإثيوبيون مثلما انتشروا سابقاً في الفشقة الكبرى والصغرى .
4
حينما انشأت اثيوبيا سد النهضة استماتت في الزود عما تعتبره حقها القانوني والإلهي في المشروع؛ رغم أن القوانين الدولية تلزمها بمراعاة حقوق الدول الاخرى على النهر الكبير؛ ولم يلمها احد أو يرفض عليها هذا الحق . والآن يجب عليها الا تعيب على السودان حقه السيادي والطبيعي على اراضيه خاصة أن السودان لم يعبر منه جندي بمقدار متر الى اثيوبيا؛ بل على العكس احتسب ضباطا وجنودا ومدنيين قتلوا على تراب وطنهم وبعد هذا فانه لا يزال يتحرى التوافق الى حل يحفظ الود والحقوق ويديم الجوار الحسن والآمن ..واظن أن هذا موقف يُحترم ويُقدر.