
موازنة ٢٠٢١م التي كشفت عن زيادة في الإيرادات، وعجز أقل مقارنةً بموازنة العام السابق، دار حولها جدل كبير و وصفها البعض بانها تعتمد بشكل كبير على الدعم الخارجى و المنح ، و تطبق وصفات و روشتات صندوق النقد الدولي .
فى ذات الوقت رأى البعض انها تهدف لتحقيق معدل نمو موجب للناتج المحلي الإجمالي، وتخفيض نسبة العجز الكلي، في الحدود الآمنة.
و يحضرنى في ذات السياق انه إبان المؤتمر الإقتصادي السوداني الذى كنت حضوراً فيه حدث جدل و خلاف و اختلاف كبير حول موضوع“ترشيد الدعم “الذي وصفه البعض بأنه اسم الدلع لـ “رفع الدعم “مصطلح اقتصادي طرحه عادةً ما يثير الجدل و انقسام الاصوات الشعبية ما بين مؤيد و رافض فى بلدان العالم الثالث النامية .
المعلوم أن احد أسباب انطلاق شرارة ثورة ديسمبر المجيدة الضائقة المعيشية الناتجة عن تأزم الوضع الاقتصادي في البلاد آنذاك حيث شهدت البلاد صفوف الخبز و البنزين و انعدام السيولة و الأدوية الضرورية و المنقذة للحياة …الخ .
و المعروف أن النظام البائد كان قد لوح مرارًا و تكرارًا بعصا رفع الدعم لإصلاح الوضع الاقتصادي و يتذكر الشعب السوداني جيدا مقولة رئيس الوزراء السابق معتز موسى :(“أنا لن أدعم البنزين أو الجاز لمواطن راكب لاندكروزر سعره ٨ مليارات جنيه”)
لكن الحكومة البائدة كانت تتراجع من فينة لأخرى عن قراراتها خوفًا من عاقبة رفع الدعم و انتفاضة الشارع السودانى، و مخاطر احتشاد مظاهرات و احتجاجات قد تؤدي إلى إسقاط النظام ، و ذاكرة التاريخ تذكر نصح صحفيي النظام البائد لمعتز موسى قائلين:(“الإعلان عن رفع الدعم سيطيح بالنظام دون الحاجة لتجمع مهنيين او وهميين”)على حد وصفهم آنذاك.
الدعم فى الأساس هو عبارة عن مساعدة مالية تسخرها الدولة لدعم سلع أساسية ضرورية، او خدمات ،او قطاعات إنتاجية حتى تصبح فى متناول الفئات ذات الدخل المحدود و الشرائح الضعيفة، لذلك نجد السواد الأعظم من الشعب السودانى الذي هو تحت خط الفقر يتململ ويثور بمجرد السماع بفكرة ترشيد الدعم او رفعه الأمر الذي يعني له ارتفاع أسعار السلع او الخدمات المرفوع عنها الدعم و بالتالي تضيق الخناق المعيشي عليه.
لكن إذا كان رفع الدعم طرح في ظل الحكومة البائدة مرارًا و تكرارًا و يطرح الآن في ظل الحكومة الانتقالية فهل هذا يعني أن هذه الحكومات لا تدرك عواقب رفع الدعم ؟أم أن هناك جوانب إيجابية لرفع الدعم و سلبيات يمكن معالجتها؟
من سلبيات الدعم المختلف الأشكال و بالتحديد دعم المحروقات الآتي:
-يرى الخبراء و العارفون بالوضع الاقتصادي أن الإيرادات النفطية ما قبل انفصال الجنوب كانت تشكل رافدا جيدا للناتح المحلى الإجمالي السوداني، و تمول الإنفاق الحكومي بشكل كبير إلا أن بعد انفصال الجنوب فقد السودان حوالي ثلثى دخله من النفط، و بالتالي انخفاض تدفق النقد الأجنبي الذى كان يأتيه من الإنتاج النفطي مما اجبر السودان على أن يقلل من اعتماده على ناتج النفط، الأمر الذي يدفع به لرفع الدعم عن المحروقات لتخفيف العجز في ميزان الدولة، علماً بأن فاتورة الدعم في السودان تبلغ مبالغ مقدرة ، و تستهلك نسبة عالية من إيرادات الحكومة، كما يمثل الدعم نسبة كبيرة من انفاقات الحكومة، و ينظر بعض الخبراء إلى عملية رفع الدعم كخطط استراتيجية لإعادة حصة الدعم لإيرادات الدولة اذ أن من جانب آخر استمرار الدعم قد يؤدي إلى انهيار كامل فى الاقتصاد السوداني، و الاحتياجات غير المرشدة قد تؤدي إلى تدمير الاقتصاد نفسه، لذلك ترشيد الدعم مع اعتماد سلسة برامج من المعادلات و الإصلاحات سوف يساعد على تقليل نسبة الفاقد من الإيرادات في الميزان و يحرك سعر الصرف
كما أن السلع المدعومة في أغلب الأحيان تذهب لغير ذوي الحاجة، و يتم استغلالها من قبل فئات مجتمعية مقتدرة حيث تشتري الدولة السلع الضرورية و الاستراتيجية من وقود و غيره من الشركات المحلية و الاجنبية بأسعار عالية ، و فى ذات الوقت تبعيها في السوق بأسعار أقل بكثير مما يساعد اصحاب المال و ضعاف النفوس من الطبقة الجشعة الراكدة و راء جمع المال من تجار و فسدة و غيرهم من استغلال السلعة المدعومة من دقيق وقود، قمح مستورد ،دواء …الخ ، و يقومون بتهريبها لدول الجوار و المتاجرة بها،كما ان هناك شركات متهمة بالتلاعب والمضاربة بالعملات و هكذا تكون السلع المدعومة وجهت لغير الجهات المستحقة و استفادات منها جهات أخرى مع العلم بسلبيات الدعم غير المُرشد إلا أن هناك تحديات كبيرة تقف أمام رفع الدعم منها على سبيل المثال لا الحصر :
-قد يأتي رفع الدعم بمعادلة سالبة بسبب ارتفاع أسعار السلع و تضرر الشرائح الضعيفة و محدودة الدخل من رفع الدعم مع ازدياد وطأة الضائقة المعيشية حيث أن أكثر سكان السودان تحت خط الفقر، و قد ينعكس رفع الدعم سلباً على حياة الناس و على القطاعات الإنتاجية على سبيل المثال ارتفاع تعريفة المواصلات العامة فى حالة رفع الدعم عن الوقود الخ .
-و قد ينتج عن رفع الدعم احتياجات تتمخض عنها تظاهرات يتسع نطاقها يوما بعد يوم ضد الحكومة المنفذة للسياسات .
أضافة إلى أن السودان يواجه تحديات اقتصادية عظيمة في فترة حرجه منها :
ارتفاع مستويات التضخم
تدهور كارثي و انخفاض لسعر الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي
ضعف التدفقات من النقد الأجنبي قلة او انعدام الاستثمارات الأجنبية بسبب البيئة الطاردة: لفترة طويلة كان السودان مصنفاً دولة ارهابية،و كانت عليه عقوبات اقتصادية أعاقت الحركة التجارية ،و بما أن راس المال جبان فإن عدم اكتمال حلقة ملف السلام فى نظر البعض بغياب بعض الكتل الرئيسية يجعل من عملية السلام غير مطمئنة بالشكل الكافي على الصعيد الدولي ، كذلك السوق الموازي او السوق الأسود مسيطر على تحويلات المغتربين و المهاجرين
و عليه ضعف الاحتياطات الأجنبية يعرقل عملية الاستيرادات
ديون السودان
سعران لصرف السوق الرسمي و السوق الموازي تحديات عدة مختلفة الأشكال تتطلب معالجة حكيمة من ميزانية ٢٠٢١ يضاف لها عبء الدعم على ميزانية الدولة، الأمر الذي يتسبب بصورة خطيرة في الفاقد فى الإيرادات في الميزان و يضعف تحريك سعر الصرف
بينما دخل السودان و اعتماده على الذات ضعيف جدا على مستوى الإنتاج ،التصنيع، التصدير، و يتلقى مساعدات خارجية من المجتمع الدولي و المنظمات و الإمارات و السعودية و عليه ديون لكن هناك إمكانية اعطائه قروض بناءً على روشتات و وصفات اقتصادية يتبع فيها الآتى:
-تحسين شبكات الأمان الجتماعي
-دعم الطبقات المتوسطة و الفقيرة و محدودة الدخل
-تحسين مناخ الاعمال الجاذب للعديد من الاستثمارات
-تعزيز مرونة الصرف (تحرير سعر الجنيه مقابل الدولار)
-خفض الدعم عن الوقود ،القمح ، الأدوية …إلخ
قد يقول قائل ما المخرج إذن؟
من وجهة نظر بسيطة و قد تكون جزءا نسبيا من الحل:
-في حال اصبح رفع الدعم واقعا لا مفر منه لابد من حملة اعلامية مكثفة لتوعية الشعب بموضوع الدعم و ترشيده و اثره و تاثيره على اقتصادالدولة و بالتالى معاش المواطن و إيجابيته
-أهمية النظر الى موضوع ترشيد الدعم بالشكل الذي لا يعود بالضرر على المواطن بسبب ارتفاع اسعار السلع مع ازدياد وطأة الضائقة المعيشية.
– ان يتم رفع الدعم بطريقة حكيمة مع وضع معادلات عادلة بحيث تعود عائدات رفع الدعم للشرائح الفقيرة الضعيفة دعما مباشرا و كافيا“دعم الأسر الفقيرة و ذات الدخل المحدود”.
-من اجل ضمان أن يشمل برنامج دعم الأسر الفقيرة جميع الأسر المحتاجة مع اعتماد سياسة احصاء مدروسة و متقدمة، و حوسبة و رقمنة معلومات الأسر على نهج التجربة الهندية المستفاد منها فى المغرب.
-وضع معادلات و حلول تحد و تمنع رفع الدعم من التسبب فى عرقلة حركة بعض القطاعات الإنتاجية:
-تخفيض انفاقات و مصروفات الدولة و اعتماد سياسات اقتصادية مناسبة من شأنها أن تخفف من وطأة الآثار السالبة على المواطن والمنتج.
-دعم المنتجين الصغار، تحريك عجلة الإنتاج و الخفض من الجبيات العالية التى تعيق حركة الإنتاج المحلى.
– زيادة الضرائب باستثناء السلع الرأسمالية و مدخلات الإنتاج و بعض السلع الضرورية والجمارك والرسوم.
-تقوية شبكات الرصد و المراقبة على المهربين و الفاسدين و المحاسبة بتطبيق قوانين رادعة و محاربة الشبكات الفاسدة التي تقف عائقا وتحاول أن تفشل و تهزم كل محاولات الإصلاح الاقتصادي
-الاستمرار في البحث عن سلسة برامج اقتصادية اصلاحية و معادلات تمكن من تقليل الفاقد من الإيرادات فى الميزان الحكومي و العمل بنشاط على تحريك سعر الصرف
التشديد على وسائل الإعلام المرئية و المقروءة و المسموعة و وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة على أهمية تجنب نقل المعلومات الخاطئة عن الوضع الاقتصادي و الالتزام بالحيادية و نقل المعلومة الصحيحة و ادراك اثر و تأثير المعلومات الخاطئة على وضع البلاد و استقرارها اقتصادياً.
فهل يا ترى بعد تشخيص الداء شملت الموازنة المعالجات المرجوة ؟نواصل .
تابعونا للمقال بقية